قراءة استراتيجية...برامج الأنظمة المضادة للصواريخ في اسرائيل ....
27 آذار 2011، وعلى اثر اطلاق صواريخ غراد (Grad) من قطاع غزة على مدن بئر السبع وعسقلان، قررت اسرائيل نشر بطارية أولى من نظام القبة الحديدية (Iron Dome) الذي طورته شركة رافائيل Rafael لأنظمة الدفاع المتقدمة. واتبعته بعد أيام بنشر نظام ثان، علما أن هذا السلاح كان لا يزال في مرحلة الاختبارات النهائية في ذلك الوقت. واعتبر هذا القرار أول نشر عملي لنظام مضاد للصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى في العالم. وفي أوائل شهر نيسان ابريل ، بدأ استخدام هذا النظام، حيث اعترض عددا من صواريخ غراد التي أطلقت على مدن إسرائيلية عدة. هذا واستمر سنوات عدة قبل أن تنشر أنظمة القبة الحديدية على نطاق واسع. لكن الجدل والنقاش حول فعاليته وكلفته وطريقة نشره لا يزال جاريا في اسرائيل.
تهديد الصواريخ القصيرة المدى على اسرائيل ...
تعرضت اسرائيل منذ نهاية ستينات القرن الماضي لتهديدات الصواريخ القصيرة المدى، أو ما يعرف بالراجمات. فقد استخدمتها المقاومة الفلسطينية انطلاقا من جنوب لبنان والأردن لقصف مواقع عسكرية ومستوطنات إسرائيلية قريبة من الحدود. إلا أن فعالية هذه الصواريخ ودقة إصابتها وعديدها كان محدودا بعض الشيء في ذلك الوقت. وقد ردت اسرائيل على هذا التهديد بشن هجمات جوية ومدفعية مكثفة على مواقع اطلاقها. إلا أن سهولة وسرعة نقلها واخفائها واطلاقها جعل من المتعذر اصابة طواقمها في معظم الأحيان. وفي تلك الفترة، لم تكن فكرة اعتراض هذه الصواريخ في الجو قبل انفجارها على الأرض واردة نظرا لصعوبتها التقنية البالغة. وشبه البعض هذه الفكرة بمحاولة اصابة رصاصة في الجو برصاصة أخرى.
لكن في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، أعيد طرح هذه الفكرة بسبب التقدم الذي تحقق في مجال الأنظمة الليزرية، حيث اعتبر بعض الخبراء أنه يمكن تدمير الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى بإطلاق أشعة ليزر مركزة عليها تؤدي الى تدميرها في الجو، وحماية المنطقة المستهدفة. وبطبيعة الحال، اهتمت اسرائيل بهذه التقنية نظرا الى تعرض مناطقها الشمالية بشكل متكرر لصواريخ الراجمات من عياري 107 و122 ملم من قبل مقاتلي حزب الله منذ حقبة الثمانينات من القرن الماضي.
برنامج Skyguard/Thel
في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، اشتركت اسرائيل مع الولايات المتحدة في برنامج أطلق عليه اسم ثيل (Thel)، يقضي بتطوير نظام ليزري تكتيكي عالي الطاقة قادر على تدمير المقذوفات الصاروخية من نوع غراد وغيرها، الى جانب الهواوين القصيرة المدى في الجو. إلا أن هذا البرنامج الذي قادته شركة لوكهيد مارتن Lockheed Martin من الجانب الأميركي عانى من مشاكل عديدة، منها مشاكل تقنية، الى جانب قلة حماسة وزارة الدفاع الأميركية لتمويله، نظرا الى عدم وجود تهديد مباشر على الشعب الأميركي من هذا النوع من السلاح، كما هي الحال مع اسرائيل. وكان التركيز الأميركي في ذلك الوقت على أنظمة دفاع صاروخية بعيدة المدى مركزة في الفضاء. من ناحية أخرى، اعتبر بعض الخبراء أن كل نظام ثيل لن يغطي سوى نحو أربعة كيلومترات من الحدود، وبالتالي فان نشر أعداد كبيرة منه لحماية حدود طويلة نسبيا مثل الحدود اللبنانية التي تمتد لأكثر من 100 كلم غير عملي وباهظ الثمن.
وبعد العام 2001، انتقلت مسؤولية البرنامج من الجانب الأميركي من شركة لوكهيد مارتين Lockheed Martin الى شركة نورثروب غرومان Northrop Grumman. وقامت هذه الأخيرة باعادة هيكلة المشروع حيث طورت نموذجا اصغر حجما وأكثر حركية من ثيلThel، عرف باسم سكايغارد (Skyguard). ومع أن هذا الأخير صمم أصلا لحماية الطائرات التجارية من خطر الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات، إلا أن التجارب أثبتت فعاليته أيضا ضد المقذوفات الصاروخية من نوع غراد أو قذائف الهواوين.
وفي بداية العام 2006، كانت كلفة برنامج التطوير المشترك لنظام ثيل/سكايغارد قد بلغت 300 مليون دولار خلال عشر سنوات من التطوير، دفعت منها اسرائيل نحو النصف، والنصف الآخر دفعته وزارة الدفاع الأميركية. وجاء وقت اتخاذ قرار بمواصلة التطوير لإدخاله في الخدمة العملانية أو ايقافه.
في الجانب الأميركي، بقي اهتمام وزارة الدفاع الأميركية بهذا النظام محدودا، لأنه لم يكن يلبي حاجة عملانية ملحة، حيث أن التمويل العسكري انصب في تلك الفترة على أنظمة حماية الجنود في ساحات القتال في العراق وأفغانستان من الألغام والمتفجرات اليدوية الصنع إنما العالية الفعالية. واعتبر خطر القصف بالراجمات والهواوين اقل إلحاحا نظرا الى فعاليته المحدودة نسبيا ضد مواقع عسكرية محصنة.
وفي الجانب الإسرائيلي، حصل نقاش بين مسؤولي سلاح البر الذين كانوا يطالبون باقتناء نظام ثيل/سكايغارد، ونظرائهم في سلاح الجو الذين انتقدوا هذه الفكرة، مشددين على أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية تركز على العمليات الهجومية لا الدفاعية. واعتبروا أن سلاح الجو الإسرائيلي قادر على التعامل مع خطر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، مثل تلك التي بحوزة حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، من خلال رصد وقصف مواقع الأطلاق.
تجدر الإشارة أنه في تلك الفترة، كانت الحدود اللبنانية-الإسرائيلية هادئة عموما، في ما عدا عمليات محدودة في منطقة شبعا. أما في غزة، فان صواريخ القسام التي استخدمتها حماس كانت محدودة المدى والفعالية. وتركز خطرها على مستوطنة سديروت الصغيرة القريبة من الحدود مع غزة.
ونتيجة لهذه العوامل، أوقفت اسرائيل مشاركتها في برنامج ثيل/سكايغارد في بداية العام 2006، معتبرة أن كلفته العالية، مصحوبة بمحدودية التهديد الصاروخي الذي تواجهه اسرائيل، وضرورة الأنفاق على مشاريع أكثر إلحاحا، تحتمان هذا القرار.
صدمة حرب 2006
جاءت حرب تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل لتشكل منعطفا مهما للجانب الإسرائيلي. فخلال المواجهة التي دامت أكثر من شهر، تمكن حزب الله من مواصلة إطلاق الصواريخ والهواوين حتى اليوم الأخير من الحرب، بمتوسط نحو 150 صاروخا أو قذيفة في اليوم. وكان القسم الأكبر من هذه الصواريخ قصير المدى 20 كلم وما دون، إلا أن عددا لا بأس به من الصواريخ الأبعد مدى، من نوع غراد المطور ورعد وفجر ضرب العمق الإسرائيلي حتى مدينة حيفا. وتبين أن الطيران الإسرائيلي غير قادر على التعامل بفعالية مع الصواريخ القصيرة المدى، نظرا الى صعوبة اكتشاف مواقع إطلاقها وسرعة تحركها.
ورغم أن عدد الإصابات والأضرار المادية التي أحدثتها هذه الصواريخ كان محدودا بعض الشيء من الجانب الإسرائيلي، إلا أن الأثر النفسي على السكان كان كبيرا. وبعد نهاية الحرب، ازدادت مطالبة الرأي العام الإسرائيلي بأنظمة قادرة على حماية المدنيين من خطر الصواريخ، بعد فشل الطيران الحربي من القيام بهذه المهمة. وأجبر ذلك السلطات العسكرية الإسرائيلية على إعادة النظر بقرارهم السابق القاضي بوقف البرامج المضادة للصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. وعند البحث عن حلول لهذه المسألة، تبين أن ثمة خيارات عدة ممكنة.
خيارات متعددة
فور انتهاء المعارك في شهر آب 2006، بحثت اسرائيل مع الولايات المتحدة بإمكانية إعادة الروح الى برنامج ثيل/سكايغارد. وفي حينه، عرضت شركة نورثروب غرومان (NG) الأميركية على اسرائيل تطوير وبناء ونشر 10 بطاريات من نوع سكايغارد لحماية الحدود الإسرائيلية مع لبنان وغزة بكلفة مليار دولار، على أن يبدأ نشرها في غضون 18 شهرا.
وجاء اقتراح آخر في أواخر العام 2006 حين طلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية من شركة لوكهيد مارتن (LM) إجراء اختبارات وتعديلات على نظام سكاي شيلد Sky Shield للدفاع الجوي لاعتراض الصواريخ. ويعتمد النظام على مدفعين سريعي الإطلاق من عيار 35 ملم، وجهاز توجيه ورماية لإطلاق سيل من القذائف تنفجر في الهواء وتطلق كل واحدة منها 152 شظية صغيرة تخترق هيكل الصواريخ القادمة وتفجرها قبل وصولها الى الهدف. وهو من تصميم شركة أويرليكون كونترافس Oerlikon Contraves السويسرية وتتولى لوكهيد مارتن (LM) إنتاجه.
من ناحية أخرى، درست اسرائيل إمكانية استخدام مدافع فولكان فالانكس Vulcan Phalanx معدلة لمهمة الاعتراض الصاروخي. وهي عبارة عن مدفع بحري موجه بالرادار متعدد الفوهات من عيار 20 ملم قادر على تأمين غزارة نيران هائلة بحدود 45000 قذيفة في الدقيقة.