تكنولوجيا
الكاتب: نقيب مهندس/ عبد اللطيف قائد الجبري
شهد تخطيط المعارك نقلة نوعية في عملية التحضير والإعداد في الوقت الحاضر فبعد أن كان القادة يعتمدون في التخطيط لميادين القتال ووضع صورة مصغرة عن سير المعارك على استخدام وسائل بدائية مثل التخطيط على منصات رملية أو على جدران خشبية أصبحت اليوم وبفضل التكنولوجيا الحديثة تعتمد على أعلى وأدق وسائل التكنولوجيا التقنية في دراسة مواقف القيادة للقوات الصديقة أو مواقف القيادة للقوات المعادية ومن ثم تجهيز وإعداد السيناريوهات والحلول المناسبة .
يتمثل ذلك في قيام كثير من الشركات المصنعة والمتخصصة في مجال الاتصالات والشبكات بتجهيز مختبرات تحاكي ميادين القتال ، من خلالها يمكن تجهيز الأفراد والضباط لتقليد مواقعهم الحقيقية على أرض المعركة وكذلك تقليد قوات العدو بمختلف الصنوف والتشكيلات القتالية وذلك من خلال إدخال معلومات رقمية حقيقية عن القوات والعتاد والتضاريس لمختلف القوات مع وجود ربط شبكي عملياتي بمراكز القيادة والسيطرة يؤمن عملية إصدار التعليمات والأوامر أولاً بأول لضمان السيطرة على مجريات المعركة والقدرة على تغيير التكتيك حسب ما يقتضيه الموقف القتالي .
وقد استطاعت هذه الشركات إنتاج عدد من المختبرات القتالية مثل تلك المختبرات التي تمتلكها قوات حلف الناتو والقوات الأمريكية في أماكن مختلفة من العالم والتي يتم بواسطتها تدريب منتسبي هذه القوات على خوض معارك تقليدية مفترضة لأي منطقة تهدف لخوض معارك فيها وذلك من خلال إدخال البيانات والصور والخرائط والمعلومات اللازمة عن هذه المنطقة أو الدولة ، و كذلك المعلومات عن قوات العدو وقدراته العسكرية البرية والجوية والبحرية ،
مختبرات القتال الحديثة
تمثلت مشاريع تجميع وإعداد خطط القتال في السابق بأنه كان يخصص للقادة أماكن مرتفعة ( تل أو هضبة ) يجلسون عليها ليشاهدوا استراتيجياتهم المفتوحة .
بينما اليوم ليست المهمة مختلفة الشكل فقط عما كانت عليه بالأمس بل إنها تستلزم وجود فريق ناضج من قادة ومهندسين ومستشارين عسكريين ومدنيين سواءً خبراء إستراتيجيين أو منفذين أو من إلى جوارهم يأخذ كل منهم دوره في مختبرات قتال اليوم .
البداية الصحيحة لخطة قتال اليوم تبدأ بأخذ التجهيزات والتكنولوجيا المتوفرة وتفعيلها بواسطة مشغلات ومشبهات فعلية نحو سيناريوهات قتال متطورة ، ومن ثم تطوير الحلول وذلك نظراً لما تشهده الميادين اللوجستية والتكتيكية و الاستراتيجية من استخدام متزايد للتقنيات والاتصالات بشكل مستمر ، وما تتطلبه المعارك الحديثة من آليات ومعدات واستخدام واسع لمختلف صنوف القوات والتي تلعب فيه العمليات والاتصالات والاستطلاع والمراقبة دوراً هاماً وبارزاً في سير مجريات المعارك .
تتكون مختبرات القتال من فئات متعددة تتضمن ( التدريب ، المشبه ، الاستطلاع ، إدارة المعركة ، مجالات أخرى ) وتعتبر شبكة نقل وتحويل البيانات والمعلومات أكثر الفئات فعاليةً في ذلك .
ويعتمد نقل وتحويل المعلومات ( Transformation ) على أخذ معلومات الوحدة القتالية الصديقة ونسبة قدراتها مع قدرات القوات المعادية مستكشفاً مصادر القوة والقدرات التي تفتقر إليها ، ومن ثم تنظيم مصادر القوة الحالية أو الحصول على أخرى جديدة لتدعم الحل المناسب ولضمان إحراز النصر في المعركة .
ويمكن أيضاً أثناء إدارة المعركة بواسطة مختبرات القتال التغيير في سيناريو القتال في حالة تعزيز الوحدة القتالية بقطعة جديدة من المعدات أو دعمها بمصادر قوة قتال جديدة، وذلك على طول الخط الزمني لسير معركة القتال والذي بدوره يساعد على تطوير المعركة واستكشاف القدرات الغير معروفة والغير مستخدمة بغرض إعادة تخطيط المصادر الحالية .
من خلال هذه الإجراءات السابقة يمكن للمقاتل أن امتلاك خبره قتالية عالية تكسبه مهارات وقدرات تجعله قادراً على التعامل مع أي موقف في مختلف المعارك بأداءٍ أفضل ودرايةٍ أكبر ، كما تكسبه معرفة تامة بعدوه وما يمتلكه من أسلحة ، وما هي التكتيكات القتالية التي قد يستخدمها من خلال قدراته القتالية ، وما هي تضاريس منطقة القتال وكيف يتم تنسيق أعمال القتال بين جميع صنوف وتشكيلات القوات الصديقة ، وهو ما يوفر الجهد ويقلل الخسائر في حال تنفيذ المعركة الحقيقية التي تم التدريب عليها .
شركة THALES
طورت شركة THALES مركز تحويل القتال (BTC) Battle Transformation Center لنفس الغرض الذي ذكرناه سابقاً .
ويعتبر BTC مركزاً متعدد أجهزة الاستشعار والدمج والذي بدوره يدرس ويفحص سيناريو القتال المعطى حسب رغبة المستخدم .
ويتطلب النظام مدة أسبوعين لإدخال البيانات الملاحية الضرورية ( خرائط رقمية ، صور من الأقمار الصناعية ، ومحدوديات استكشافية تربط بطائرة استطلاع بدون طيار ، ومجالات الرمي والتغطية ، ومستشعرات معلومات ثابتة ومتنقلة) مع تغطيتها لطرق الحصول على البيانات .
ويشمل نطاق خطة عمل هذا المختبر وحدة متكاملة من الجيش تستطيع أن تخوض معركة من خلال السيناريوهات والتمارين مستخدمةً توحيد وسائل الاتصالات والتجهيزات الإلكترونية في المقدمة ، ومجالات الوحدات الأخرى ، متضمنةً البر والجو ومكونات القواعد البحرية سواءً كانت معلومات تلك القوات حقيقية أو مجالات قتال مقلدة مع أجهزة تشبيه مخططة أو توحيد جميع ذلك .
وقد تم نشر (19) مركزاً في إنجلترا لمختبرات قتال شاملة بإمكانها العمل مجتمعةً حيث تم ربطها بمركز تحكم يشرف على أداءها وتنسيق الأعمال فيما بينها ، وعمل هذه الشبكة مخالف لعمل الشبكة المركزية حيث أن هذه الشبكة ليست مركز عمليات ولكنها أداة ضمن الأداة التي تعمل وفق النظام .
وأثناء فتح أول مركز للـ BTC في العام 2003م في " فرنسا" أعتبرت شركة THALES أن مختبرات القتال ليست مسألة تقنية فحسب بقدر ما هي في الغالب بناء قابل للترقية والتعامل مع أجهزة عالية الدقة تتوافق مع أساليب وخرائط وطرق للبحث عن تقنيات جديدة للقتال في الحروب والتي على ضوءها يغير المقاتلون من أساليبهم ويتأقلمون معها كالعمل في التضاريس الصعبة أو التأقلم مع التقنيات الجديدة وبالتالي تتكون لديهم فكرة عن طبيعة الموقف وما يتطلبه من إجراءات مختلفة .
رؤية أوسع
تتمثل هذه الرؤية في العمل المشترك الذي قام به إتحاد صناعة شبكات العمليات المركزية NCOIC " The Network Centric Operations Industry Consortium وهو عبارة عن تعاون مشترك ضم أكثر من (80) شركة من (18) دولة لعمل شبكة عالمية لمختبرات قتال موزعة في أماكن مختلفة ، يمكن بواسطتها تنفيذ تمارين ومعارك مشتركة لمختلف القوات من مواقع وبلدان مختلفة بحيث تسند لكل قوة مهمة معينه تقوم بتنفيذها في بيئة عمل واحدة بحيث يتم التحكم بالجميع من مركز واحد لقيادة عمليات مشتركة كما هو حاصل بالنسبة لقوات حلف الناتو .
وقد ضم هيكل اتحاد NCOIC (19 ) شركة أوربية بالإضافة إلى استخدام أنظمة شركة BAE ، وشركة EADS ، وشركة THALES حيث تمثل هذه الشركات أعضاء المجلس التنفيذي لهذا الإتحاد .
كما ضم الاتحاد شركات أخرى ساهمت في الحصول على المشروع المرجو الذي يشكل بدوره تكنولوجيا دفاعية متطورة .
وقد كان الهدف لهذا الاتحاد بين الشركات التعجيل في إنتاج أوسع صناعة لبنية تحتية شاملة من أجل ( شبكة عمليات مركزية تضم مستخدمين متعددي الجنسيات ومن مواقع عمل مختلفة يمكن الربط بينهم باستخدام شبكات ووسائل الاتصال الحديثة ) .
أدرج ضمن عمل هذا الاتحاد أعضاء جدد مثل شركة Prismted of Boston , Massachusetts من أجل التزويد بالأجهزة والآلات الرئيسية ودعم ومساندة قواعد الدفاع الأخرى .
ومن المسلمات بأن الدول قد لا تتفق مع قواعد الدفاع الأخرى أو الأوضاع أو جداول الأعمال . ولكن قدرة هذا الاتحاد على ضم (18) دولة مجتمعة في صناعة مشتركة قد أدى إلى انتزع أحقية بناء هيكل قاعدة مشتركة مفتوحة في داخل محيط شبكات عمليات مركزية .
الشبكة الموحدة لفحص وتجريب الأعمال القالية NITEWORKS
ويتمثل ذلك في قيام وزارة الدفاع البريطانية ومجموعة من الشركات المصنعة ببناء مشروع اختبار وتجريب لا يختلف كثيراً عن مشروع (BTC) .
أسس مشروع الشبكة الموحدة لفحص وتجريب الأعمال القتالية " NITEWORKS " بشكل رسمي في العام 2003م أخذ بعدها ثلاث سنوات كمرحلة تقييم وتطبيق ثم مرحلة تحول وتواصل عمل البرنامج إلى أن تقرر وزارة الدفاع البريطانية مستقبل عمل هذا المشروع .
يمثل هذا المشروع شراكة بين (9) شركات من مصنعي الدفاع البريطانية وشريك قيادة أنظمة شركة BAE ، ويعمد هذا النظام إلى تجريب أنظمة شركة Thanes ليقدم حلول ممكنة لشبكة عمل ذات قدرة عالية وكذلك تأمين الحصول استعدادات وقدرات قتالية عالية .
طورت هذه التقنية لدعم استلام وزارة الدفاع البريطانية شبكة حقيقية ذات قدرات عالية ، مزودةً بدليل صوتي عن التغيير المتطلب في التعليمات والمعدات ، ولهذه الشبكة القدرة على فحص مسائل الدمج والتوحيد بين القوات ومعرفةً الحلول الممكنة ومن ثم إقرارها وتفعيل دور استلام الخيارات المبرهنة وهذا بدوره يهدف إلى تحسين القدرات العملياتية للقوات البريطانية المنتشرة في أجزاء عدة من العالم .
ويتضمن هذا المشروع نظم ISTAR الملاحية ، ووحدة جمع البيانات الاستخباراتية ، وإدارة ساحة القتال وتبادل المعلومات العملياتية ، ومواقع الإجراءات المضادة للعدو ، والتأثير الأساسي للعمليات ، وصور أرضية تكتيكية ، وتجهيزات أخرى متعددة المنشأ .
تم إجراء تجربة بواسطة مختبرات هذا المشروع لعملية مشتركة بين القوات البريطانية والقوات الأمريكية لكيفية تنفيذ مهمة جمع البيانات الاستخباراتية ، ومن أجل نجاح هذه المهمة تم تزويد أنظمة مختبرات هذا المشروع بأحدث تقنية الاتصالات والمعلومات ، ووسائل الاستطلاع المختلفة .