وبحسب قوانين 'الميزانية القومية اليهودية' فإنه يمنع لمن كان غير يهودي أن يقيم في أي مكان في دولة إسرائيل، أو يتداول التجارة أو يزاول أية مهنة، أو حتى أن يعمل فيها، وذلك فقط لأنه 'ليس يهوديا' ـ أي أنه قانون تمييز عرقي ديني محض! وفي الوقت ذاته يسمح لليهودي بممارسة كل ما ذكر. ويضيف شاهاك معقبا على هذا القانون العنصري المجحف، أن هذا القانون لو طبق في أية دولة في العالم ضد اليهود لتعالت صيحاتهم واحتجاجاتهم بأن هذه الدولة 'معادية للسامية' ولحقوق الإنسان! أما حين يتعلق الأمر باليهود فلهم الحق في ممارسة ما يشاؤون 'كأيديولوجية يهودية' ضد غيرهم من الشعوب 'غير اليهودية'، والتي يعتبرونها أدنى مرتبة منهم إذ هم شعب الله المصطفى المختار الذين لهم اليد الطولى في عمل ما يشاؤون، وهم معفون من أية ملامة أو ذنب ـ وبخاصة في أرض استولوا عليها ومارسوا عمليات التطهير العرقي لتفريغ الأرض من سكانها الأصليين!!!
أما الثاني وهو (قانون تحريم وتجريم العمل لغير اليهودي في 'أرض إسرائيل') فموجود ومطبق. وبين الحين والحين تعمل دولة إسرائيل على تفعيل وتطبيق مثل هذه القوانين النابعة من الأيديولوجية اليهودية. فمثلا تطبق وزارة الزراعة الإسرائيلية قانون منع حصاد ثمار البساتين التي تعود ملكيتها لليهود في أرض إسرائيل، والتي تسميها ' الأراضي القومية'، من قبل العمال العرب، وحتى أولئك العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية! كما تمنع إسرائيل وبشكل قاطع اليهود المقيمين على ما يسمى 'الأراضي القومية' لدولة إسرائيل من تأجير ولو جزء بسيط جدا من أرضهم وبساتينهم للعرب، ولو لفترة زمنية بسيطة جدا جدا! ومن يخالف تتم ملاحقته قضائيا وتوقيع غرامات مالية باهظة جدا عليه من قبل السلطات الإسرائيلية! وفي المقابل ليس هناك تقييد في تأجير الأراضي أو البساتين من اليهود لليهود. ويقول شاهاك في هذا الموضوع مستهجنا:' وهذا يعني أنني كيهودي يحق لي تأجير بستاني ليهودي آخر فقط ولا يسمح لي بالتعامل مع العربي أو أية جنسية أخرى في زراعة وقطف ثمار بستاني داخل أرض إسرائيل القومية'! ـ ومما يذكر في هذا الإطار أن أولمرت وقبل أشهر من كتابة هذه السطور أهدى بستانا مليئا بالثمار للرئيس الفرنسي ساركوزي داخل مدينة القدس!
أما المظهر الثالث من العنصرية وهو (المساواة امام القانون لغير اليهود)، فبحسب النصوص الدينية للتلمود والتي تعتمدها دولة إسرائيل عمليا فلا يتمتع 'غير اليهود' بالمساواة أمام القانون، فهم 'ليسوا سواسية' مطلقا. ولا تشير القوانين صراحة 'لغير اليهود' تجنبا لظهور فساد هذه القوانين على السطح للعالم، لكنها تشير في موادها الأساسية 'لليهود' فقط متجاهلة الآخرين ضمنيا. فمثلا في قانون يسمى قانون 'حق العودة' أو (Law of Return) يحق لليهود المعترف بهم ضمن قوانين الحاخامات واليهودية المشار إليها أعلاه العودة التلقائية لدولة إسرائيل والإقامة فيها. وبمجرد دخولهم إسرائيل يحصلون على شهادة هجرة والتي تزودهم فور وصولهم بالجنسية الإسرائيلية تلقائيا بمجرد عودتهم لما يسمى 'بأرض الوطن الموعود'، وبمجموعة من الامتيازات المالية التي تتراوح قيمتها بناء على الدولة الأوروبية التي قدموا منها والتي تسمى 'منحة الاستيعاب' وتصل إلى أكثر من 20 ألف دولار أمريكي للعائلة، وكذلك يحصلون على ميزات لتعليم أولادهم العالي وقرض سخي لشراء شقة بتسهيلات خيالية. وبحسب هذا القانون يحق لكل اليهود العائدين لإسرائيل التصويت في الانتخابات وترشيح أنفسهم للكنيست ـ حتى لو لم يفقهوا كلمة واحدة من اللغة العبرية! وبمقابل هذه الامتيازات التلقائية لليهود يتم منع 'غير اليهود' منها وبشكل منهجي رسمي صارم. ويتم تطبيق قانون التمييز العنصري بعدم المساواة أمام القانون الإسرائيلي من خلال بطاقة الهوية التي يكتب عليها الجنسية مثل 'عربي' أو 'يهودي' أو 'درزي' مثلا، وليس 'إسرائيلي'. وحتى لو طالب أحدهم بأن يكتب على بطاقة هويته 'يهودي ـ إسرائيلي' مثلا تصله رسالة من وزارة الداخلية تفيد بأن القانون يحظر استخدام كلمة 'اسرائيلي' على البطاقة ـ ولا يعرف من أقر هذا القانون أو متى ـ يتساءل شاهاك!! جميع هذه التسهيلات لليهود والتضييقات أمام 'غير اليهود' تهدف، بوضوح، لخلق 'دولة يهودية' خالصة كما يعقب شاهاك.
هذه السياسة الصهيونية بخلق 'دولة يهودية' تحوي معالم الخطر للدولة ذاتها كدولة عنصرية وتشكل خطرا رابضا صامتا لجيرانها. فصميم عقيدتها الصهيونية يحوي أطماعا توسعية تفضحها التعاليم الحاخامية، 'فأرض الميعاد' المزعومة تشكل فلسطين المحتلة قلبها لكنها تتجاوز بكثير حدود دولة إسرائيل الحالية. وتشكل محورا للعديد من الحروب والصراعات الإقليمية التاريخية والمنتظرة باتجاه تحقيق هذه النبوءة التوراتية، مما يشمل استراتيجيات اسرائيل 'الإمبريالية' بالمنطقة لاستعادة 'مملكة سليمان وداود' بحدودها التوراتية. وهذه المملكة، مما يتداوله حاخامات اليهود اليوم، تشمل: من الجنوب جميع أرض سيناء وجزءاً من شمال مصر وحتى مشارف القاهرة، ومن الشرق جميع الأردن وقسماً كبيراً من السعودية وجميع الكويت وجزءاً من العراق جنوب الفرات، ومن الشمال جميع لبنان وسورية وجزءاً كبيراً من تركيا (حتى بحيرة فان)، ومن الغرب قبرص. وهذه المملكة اليهودية التي ستتم اعادة بنائها يجري تداولها بشكل منهجي في الخرائط والكتب والنقاشات داخل إسرائيل وبين الأوساط الدينية لحاخاماتهم.
هذه القراءات السريعة والدلائل تشير لعمق الترصد اليهودي لما حولهم من شعوب ومقدرات وجغرافيا، فضلا عن طبيعتهم في النظر لمن حولهم وعدم التعايش معهم. هذا بالرغم من أن التاريخ الشرق أوسطي يشهد للشعوب الأخرى باستيعابهم ضمن الحضارات والديانات الأخرى كالإسلامية. ففي الإسلام تبرز فضائل الفاروق عمر بن الخطاب وعدالة الإسلام مع اليهودي الشيخ الذي أوصى له عمر بمبلغ يدفع من بيت مال المسلمين مشيرا لأن عدالة الإسلام تقضي برعايته شيخا بعد أن دفع الجزية شابا قادرا على العمل في خلافة الإسلام. ومن قبله عاش اليهود في الجزيرة العربية ولهم حقوق العمل والتعاملات التجارية، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت له هناك تعاملات مع اليهود بدليل أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي.
وبعد ذلك يطلع علينا اليوم ساسة إسرائيل، وبعض منافقي الغرب، بأن دولة اسرائيل انما هي 'الديمقراطية' الوحيدة في الشرق الأوسط! فلتذهب ديمقراطيتهم هذه إلى الجحيم. فلئن كانت هذه الدولة تمثل نموذج الديمقراطية، والتي بمفهومها الواسع ينبغي أن تعني المساواة والعدالة والشورى والتساوي أمام القانون، وبخاصة في دول العالم الحديثة حيث التعددية الفكرية والثقافية والاجتماعية من مختلف الأعراق، فما هي الدكتاتورية إذن؟ تخيلوا لو أن بريطانيا مثلا طبقت قوانين تحظر على 'غير المسيحيين' الإقامة والتملك والعمل والمساواة أمام القانون، ماذا ستفعل الجاليات اليهودية المقيمة فيها والمتنفذة اليوم في اقتصادها وسياستها وخيراتها؟ إن كانت هذه الدولة المارقة التي قامت على أشلاء مزارعين عزل تم تطهيرهم تطهيرا عرقيا من قراهم؛ هذه الدولة التي تقوم على 'أيديولوجيات ومعتقدات دينية' تنظر 'بدونية' لمن يعيش بين ظهراني اليهود على أنهم أعلى قليلا من مرتبة الحيوانات في حقوقهم وما تمنحهم، فأين هي الدكتاتورية إذن؟ بل لعل التاريخ القديم منه والحديث لم يشهد انتهاكا صارخا لأبسط حقوق الإنسان، حتى أمريكا العنصرية وتمييزها ضد السود لم تنزل لهذا الدرك من الانحطاط ثم تتماهى بعدها بأنها 'الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط'، فالديمقراطية تعني أكثر بكثير من مفهوم النفاق والازدواجية والتستر خلف صناديق الاقتراع! كل هذا يدل على 'عقيدة الجيتو' اليهودية التي تتحوصل على ما سرقته لتنشئ حولها الأسوار العازلة والقوانين التي تكرس هذه الأيديولوجية الاستيطانية الصهيونية. وما هذه القراءات العاجلة في المعتقدات اليهودية التي تشكل دعائم استراتيجية لدولة إسرائيل تطبقها على أرض الواقع إلا قمة جبل الجليد من خبايا السياسات الإسرائيلية التي تنبثق من عقيدة التوسع والاحتلال مما يشكل صفعة للموهومين بسراب السلام الخادع، فبأي حديث بعده يؤمنون!
لندن في 29 كانون الثاني (يناير) 2009
باحث وأكاديمي أردني فلسطيني ـ مؤسس مجموعة لونارد لدراسات بيت المقدس بلندن