السلاح النووي الهندي
كيف استطاعت الهند امتلاك السلاح النووي؟بعد الاستقلال بعام واحد تم إصدار قانون الطاقة الذرية، وفي العام التالى 1949 تم إنشاء لجنة الطاقة الذرية، وفي عام 1950 تم إنشاء وحدة البحث عن الخامات النادرة التي تستخدم في البرامج النووية مثل اليورانيوم والثوريوم، وبعد أربع سنوات تم إنشاء هيئة الطاقة الذرية. في عام 1955 تم إنشاء أول مفاعل بحثي بقدره واحد ميغاوات، والذي بدأ العمل في العام التالي بمساعدة من إنجلترا وفرنسا. وفى العام نفسه بدأ التعاون مع كندا، حيث تم إنشاء مفاعل قوته 40 ميغاوات يعمل باليورانيوم الطبيعي. في عام 1957 تم إنشاء مصنع لإنتاج اليورانيوم المنضب من خامات محلية. وفي عام 1964 استكملت الهند دورة الوقود النووي على المستوى البحثي والتجريبي. ومنذ ذلك التاريخ وطوال عشر سنوات قامت بعمليات إجراء فصل البلوتونيوم. وفي عام 1974 كان التفجير النووي الهندي الأول، والذي وصفته بأنه من أجل الأغراض السلمية. وبعد التفجير استمرت الهند في تطوير قدرتها النووية، حيث بدأت في تشغيل مفاعل قدرته مائة ميغاوات عام 1985، مما جعل الهند أكثر قدرة على إجراء التفجيرات وامتلاك السلاح النووي، وهو ما حدث بالفعل فى مايو/ أيار 1998 عندما أجرت خمسة تفجيرات نووية، ثلاثة فى الحادى عشر واثنين في الثالث عشر. وكانت الهند قد أعلنت قبل إجراء التفجيرات بحوالي خمسة أشهر عن صفقة مع روسيا تحصل بموجبها على مفاعلين بقوة ألف ميغاوات لتوليد الطاقة الكهربائية. وهكذا فإن الهند قد استفادت من التعاون مع العديد من الدول مثل كندا وبريطانيا والاتحاد السوفياتى وخليفته روسيا وحتى الولايات المتحدة التي زودت الهند ببعض المعدات المهمة للبرنامج النووي في عام 1964.
وهكذا فإن الهند قد وفرت قاعدة بشرية وعلمية وتكنولوجية، ومراكز أبحاث علمية ومعاهد ومعامل متخصصة، ومفاعلات نووية، وهي العناصر التي تمثل البنية الأساسية في أي برنامج نووي، كما أنها قد عملت جاهدة على تدبير الخامات النووية اللازمة، ووفرت التمويل اللازم للبرنامج النووي مما مكنها في النهاية من امتلاك الأسلحة النووية.
ويرجع استمرار البرنامج النووي الهندي وامتلاك السلاح النووي إلى الإرادة السياسية القوية، التي أصرت على تحقيق أهدافها، رغم الضغوط الخارجية والمصاعب الاقتصادية، إلى جانب التأييد الشعبى الجارف للبرنامج النووي. ويرجع ذلك إلى اعتبار السلاح النووي وسيلة ردع تجاه الخصوم القائمين أو المحتملين الحائزين للسلاح النووي أو المحتمل حيازتهم له.
والسؤال المهم هنا هو لماذا كان امتلاك السلاح النووي من جانب الهند في التوقيت الذي تم فيه؟ واقع الأمر أن العوامل السياسية قد لعبت دورا في ذلك، والمتمثلة في وصول حزب بهارتيا جاناتا إلى السلطة، والذي كان يرفع في برنامجه الانتخابي شعار امتلاك الأسلحة النووية. وإن كان ذلك لا يعني أن الحزب هو وحده صاحب خيار امتلاك السلاح النووي، حيث إن التقدم الذي وصل إليه البرنامج النووي يثبت أنه كان من الممكن امتلاك السلاح النووي وأن الاختلاف كان حول التوقيت والظروف المناسبة لذلك. ويجب ألا تنسى أن الهند قد رفضت الانضمام إلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية في ظل عدم تحقيق تقدم فى نزع السلاح النووى من جانب الدول الخمس النووية واستمرار التمييز ضد الدول غير النووية. فضلا عن اعتبارات المكانة الإقليمية والدولية التي تطمح الهند إلى تحقيقها.
وقد بررت الهند امتلاك السلاح النووي بأنه وسيلة للدفاع عن الأمن القومي للهند من خلال توفير الرادع المناسب. وأكدت أنها لن تستخدم الأسلحة النووية أو تهدد باستخدامها ضد أي دولة، وإنما هى لردع الآخرين عن استخدام السلاح النووي ضدها. وأعربت عن استعدادها للدخول في اتفاق مع أي دولة تتعهد فيه الهند بألا تكون البادئة باستخدام الأسلحة النووية، مؤكدة أنها لن تدخل في سباق تسلح نووى كما كان الوضع بين القطبين أثناء الحرب الباردة. وينقلنا ذلك إلى مناقشة احتمالات استمرار.
سباق التسلح النووي بين الهند وباكستانإلى أي مدى سيستمر سباق التسلح النووي بين الهند وباكستان.
يجب أن نشير أولا إلى أن باكستان قد أعلنت عام 1965 أنها لن تدخر وسعا لامتلاك السلاح النووي إذا ما امتلكته جارتها الهند، ومن ثم فإن باكستان قد استمرت في تطوير برنامجها النووي الذي بدأ بتشكيل لجنة الطاقة الذرية في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين. وعندما قامت الهند بتفجيرها النووي الأول عام 1974 زادت باكستان إصرارا على المضي قدما في تطوير برنامجها النووي وعدم الارتكان إلى التأكيدات الهندية بأن التفجير كان للأغراض السلمية، مؤكدة أنها لن تقبل الهيمنة الهندية وأنها لن تذعن لأى تهديد نووى هندي. ومن ثم فإن باكستان تمكنت من تطوير برنامجها النووي على الرغم من الضغوط الخارجية بحيث أصبحت منذ أواخر الثمانينيات قادرة على امتلاك السلاح النووي، وهذا ما أشار إليه رئيس الأركان الباكستاني عام 1993. وما يؤكد ذلك أن باكستان لم تتأخر في الرد على التفجيرات الهندية حيث ردت بعد أسبوعين بخمسة تفجيرات في 28 مايو/ أيار وتجربة سادسه بعد يومين من التجارب الخمس الأولى. ولو أن هناك نقصا في البرنامج النووي الباكستاني لما تمكنت من الرد بهذه السرعة.
وقد أكدت باكستان أن تجاربها النووية كانت مرتبطة بالظروف الجديدة في جنوبي آسيا بعد التفجيرات الهندية، حيث باتت باكستان في وضع شديد الحرج، ومثلها مثل الهند أعلنت أنها لا ترغب في الدخول في سباق تسلح نووى، وأنها سوف تنتهج إستراتيجية الحد الأدنى من الرادع النووى، ولكن أيا من الدولتين لم تحدد طبيعة ولا حجم هذا الرادع.
والواقع أن ذلك يجعل احتمال الاستمرار في سباق التسلح النووي قائما على الرغم من إعلان الدولتين عدم رغبتهما في الدخول في مثل هذا السباق. ويجب ألا ننسى أن الدولتين لم تغلقا باب التجارب النووية، كما أنه يوجد بينهما سباق مؤكد في ما يتعلق بوسائل إيصال السلاح النووي كما اتضح في مجال الصواريخ الباليستية، ولا يقف الأمر عند ذلك وإنما يشمل الطائرات والغواصات القادرة على إطلاق الأسلحة النووية. ويجب ألا ننسى أنه فى ظل استمرار التوتر بين البلدين فإن احتمالات الحرب بينهما تظل عالية، كما أن احتمالات الانزلاق إلى المواجهة النووية قائمة إذا لم يكن بشكل مخطط فقد يكون بطريق الخطأ أو سوء التقدير أو حتى المصادفة. ومن ثم فإن تسوية الخلافات القائمة بين البلدين من شأنها تقليل التوتر بينهما وتوفير جزء من النفقات الدفاعية الضخمة، بحيث توجه إلى البرامج التنموية التي تحتاج إليها كل من الدولتين.
الصين والسلاح النووي الهنديقبل الحرب الهندية الصينية وما تبعها من إجراء الصين أول تفجير نووي كانت الهند ترى أن القنبلة النووية لن تساعدها في حل أي من مشاكلها على الرغم من أن قادتها كانوا يعلنون عن قدرة الهند على تصنيعها. وفي ما بعد أثير نقاش في البرلمان حول الموضوع، وكان هناك إقرار لأول مرة بحاجة الهند إلى تصنيع السلاح النووي. وإن استمرت السياسة الرسمية تعلن عن رفضها ذلك، إلى جانب رفضها لتوفير مظلة نووية من القوى الأجنبية، ثم كان رفضها الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وكما أشرنا من قبل إلى تطور البرنامج النووي الهندي، والذي كان يأخذ في الحسبان القوة النووية الصينية في ذاتها والتخوف من تعاونها مع باكستان، ومن ثم فإن الهند كانت قلقة جدا من التقارير التي أشارت عام 1983 إلى أن الصين قد نقلت إلى باكستان التصميم الكامل للقنبلة النووية واليورانيوم الكافي للقيام بالتفجير. وهكذا فإن العلاقات النووية بين الصين والهند وباكستان متداخلة.
ويجب ألا ننسى أن بعض المسؤولين الهنود يعلنون حتى بعد تحسن العلاقات مع الصين في السنوات الأخيرة أنها مازالت تمثل التهديد الرئيسي للهند، وأن مواجهة هذا التهديد تتطلب حيازة الأسلحة النووية. ولا تقتصر هذه الرؤية على المسؤولين وإنما هى رائجة بين الرأى العام الهندي.
وإذا كانت الصين عاملا رئيسيا في امتلاك الهند للسلاح النووي إلا أنها ليست العامل الوحيد، حيث توجد عوامل أخرى منها تحقيق التفوق على باكستان، وعدم تحقيق تقدم في مجال نزع الأسلحة النووية، والتغيرات في البيئة الدولية واعتبارا للهيبة والمكانة الدولية التي تسعى الهند لتحقيقها.
المواقف الدولية من السلاح النووي الهنديأثار امتلاك الهند وبعدها بأيام قليلة باكستان السلاح النووي ردود فعل واسعة على الساحة الدولية. حيث أصدر مجلس الأمن بيانا رئاسيا بعد التجارب النووية الهندية بيوم واحد فى 14 مايو/ أيار 1998 استنكر فيه بشدة التجارب النووية الهندية، وحث الهند على عدم إجراء المزيد من التجارب، معتبرا أن هذه التجارب تتعارض مع الجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، وحث البيان الهند على الانضمام لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية واتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية دون تأخير ومن دون أي شروط.
وفى الرابع من يونيو/ حزيران 1998 أصدر وزراء خارجية الدول الخمس الأعضاء فى الأمم المتحدة بيانا مشتركا بعد اجتماعهم في جنيف، أدانوا فيه التجارب التي أجرتها كل من الهند وباكستان، والتى من شأنها تهديد السلام والاستقرار في المنطقة، وحثوا الطرفين على بذل الجهود من أجل الحيلولة دون سباق التسلح النووى والصاروخي جنوبى آسيا، وحثوا الطرفين على حل خلافاتهم بالطرق السلمية، والتوقف عن إنتاج المواد الانشطارية التي تستخدم في تصنيع الأسلحة النووية.
بعد يومين من البيان الوزارى السابق أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1172 كرر فيه ما ورد في البيان الوزاري، وطالب كلا من الهند وباكستان بالامتناع عن تصدير تكنولوجيا تصنيع الأسلحة أو التكنولوجيا التي تساعد على ذلك.
ومن جانبها فإن الولايات المتحدة قد اعتبرت أن ما حدث في جنوبي آسيا يمثل تحديا مباشرا للنظام العالمي الجديد الذي تقوده منفردة منذ انتهاء الحرب الباردة. وقامت بفرض عقوبات اقتصادية على الهند وباكستان، وإن كان قد تم تخفيفها في ما بعد. وقد كررت الولايات المتحدة المطالب التي وردت في قرار مجلس الأمن، وإن كانت الولايات المتحدة تتعامل مع الأسلحة النووية في جنوبي آسيا كواقع، وليس أدل على ذلك من قول وزير الدفاع الأميركى دونالد رمسفيلد في 9 يونيو/ حزيران 2001 من أن الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية المهتمة بالقضية النووية عليها أن تشجع الهند وباكستان على تعلم كيفية التعايش مع الأسلحة النووية دون استخدامها.