إن الدول الحائزة للأسلحة النووية المعترف بها في عالم اليوم هي (5) دول لا غير، وهي بالتحديد: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الروسي، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والصين، وجميعها أطراف في المعاهدة، وتعهدت جميعاً- بموجب المادة الأولى منها– بما يلي:
بألا تساعد الدول غير الحائزة للأسلحة النووية، سواء دول أطراف في المعاهدة أو غير أطراف فيها، أو تشجعها أو تحفزها على صنع السلاح النووي أو أي متفجر نووي آخر، أو المساعدة على اقتنائه أو نقله إلى أي مستلم كان، أو بسط يد المعونة في اكتساب السيطرة عليه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
2-نزع أسلحتها النووية :
نصت المادة 6 من اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية على ما يلي :
" يتعهد كل من الأطراف بمتابعة المفاوضات بحسن نية بشأن التدابير الفعالة المتصلة بوقف تسابق التسلح النووي في وقت مبكر وبنزع الأسلحة النووية وبشأن معاهدة لنزع السلاح العام الكامل تحت رقابة دولية مشددة وفعالة ".
إن الاتفاقيات التي أبرمت بين الدولتين الأعظم لا تطمح في أن تكون مقنعة ولم تعتصر نزعا للسلاح وإنما كانت تنظم التنافس النووي بينهما ، فلو أخذنا مثلا اتفاقية سولت الأولى التي أبرمت في 26 أيار 1972 بين موسكو وواشنطن حول الصواريخ النووية العابرة للقارات لوجدنا أنها تحافظ على كل الصواريخ التي نشرتها الدولتان الأعظم أو تلك التي كانت تحت الإنتاج أثناء إبرام الاتفاقية ,كما نصت اتفاقية سولت على إمكانية استبدال الصواريخ التي نشرت بعد عام 1964 بصواريخ أكثر حداثة وبصواريخ متعددة الرؤوس.
وقد انتقد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ، في خطاب له أمام الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة مبدأ إخضاع الأسلحة النووية إلى مستويات عالية من السقوف التي تؤدي إلى زيادة واسعة في تراكم الأسلحة النووية.
والاتفاقية الوحيدة التي تمخض عنها خفض للترسانات النووية الأمريكية والسوفيتية هي اتفاقية ستارت التي أبرمت في 31 تموز 1991 والنغم الصافي المؤنق في هذه الاتفاقية يتجلى باقتطاع ما يتراوح من 20 – 35 % من الترسانتين النوويتين للدولتين الأعظم .
لكن هذه الاقتطاعات لا تمثل إلا جهدا متواضعا وتعطينا انطباعا بأن هوس الدولتين العظم بالأسلحة النووية أشبه بزكام هونع كونغ غير قابل للشفاء ، فبموجب الاتفاقية المذكورة تحتفظ الولايات المتحدة ب 10,000 رأس نووي مقابل احتفاظ الإتحاد السوفيتي ب 8,000 رأس نووي.
ومما يؤكد أن اتفاقية ستارت أشبه بحاطب الليل تقرير وضعه نخبة من الخبراء العسكريين الروس والأمريكيين في تشرين الثاني 1994 وأشار التقرير أنه بالرغم من اتفاقية ستارت المبرمة بين البلدين فإن كلا منهما يوجه نحو الآخر صواريخ لا حد لها ، واقترحت نخبة الخبراء القيام بإجراء عاجل يتجلى بتحييد هذه الصواريخ النووية ووضعها بدون حالة إنذار وهذا الإجراء ينسحب على الصواريخ الأكثر خطورة والتي نصت اتفاقيات ضبط التسلح على تدميرها ، أما بالنسبة للصواريخ الأخرى والتي لم تعالجها هذه الاتفاقيات والتي يبلغ عددها حوالي ثلاثة آلاف صاروخ فقد تفاكرت نخبة الخبراء بأمرها وأوصت بإزالة الرؤوس النووية منها.
وفي ضوء التحليل لاتفاقية ستارت, تجدر الإشارة إلى انه مع انفراط عقد الإتحاد السوفيتي,تشظى السلاح النووي السوفيتي بين أربع دول هي روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وأوكرانيا ومن أجل الإبقاء على جدوة اتفاقية ستارت أبرمت الولايات المتحدة والجمهوريات الربع الخارجة من معطف الإتحاد السوفيتي بروتوكولا في 23 أيار 1992 يؤكد على اتفاقية ستارت وحول هذا البروتوكول اتفاقية ثنائية إلى اتفاقية متعددة الأطراف.
ثم قامت الولايات المتحدة ، بإغراء ثلاث جمهوريات مستقلة حديثا بالتخلي عن سلاحها النووي بتقديم مساعدات وشيكات سميكة لها ، إذ حصلت روسيا البيضاء من الولايات المتحدة على 125 مليون دولار لمساعدتها على التخلص من موروثها النووي ، كما حصلت على مساعدة قدرها700 مليون دولار للتخلص من جلدها النووي.
يستخلص من هذا التحليل أن تعهد الدولتين الأعظم بإجراء مفاوضات للحد من الأسلحة النووية والوصول إلى نزع سلاح نووي شامل كان دون جدوى ,وبسبب هذا التكاسل و التكاسر للدولتين الأعظم ، دعت الفقرة 62 من وثيقة القاهرة الصادرة عن الاجتماع الوزاري الحادي عشر لمجموعة دول عدم الانحياز الذي عقد خلال الفترة بين 31 أيار إلى 3 حزيران 1993 ,الدول النووية لتنفيذ التزاماتها الواردة في المادة 6 من اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية .
إلا أن الدول النووية قررت مواصلة تسفيه قضية جادة واعتبرت هذه الدعوة أشبه بالهمسة في وادي فسيح ، ذلك أن أعمال مؤتمر التجديد لاتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية لم ينجح في توليد كمية من البخار اللازم لدفع قاطرة النزع الكامل والشامل للسلاح النووي من الدول النووية الكبرى.
ولم يخف على محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 8 تموز 1996 بشأن مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها بأن ترسل ذبابات قانونية وغمزه لمن يفهم الإشارة وأوضحت المحكمة : " بوجود التزام قائم بالعمل ، بحسن نية ، على متابعة وإكمال المفاوضات المؤدية إلى نزع السلاح النووي بكافة جوانبه تحت رقابة دولية مشددة وفعالة ".
وأحدثت فقرة المحكمة المنوه عنها أعلاه حالة استقطاب بين الفقه الدولي ، فمن جهة رآكم هذا الاجتهاد محازبيه وأنصاره ومن جهة أخرى اعتبر قسم من الفقهاء بان هذا الاجتهاد يواجه امتحان إكمال.
فيما يتعلق أنصار دعوة محكمة العدل الدولية إلى عدم نقض مفاوضات النزع الشامل للأسلحة النووية ، يمكن لنا أن نستعين بآراء الفقيه فوجيتا الذي أوضح بّأن المحكمة لا تدعو فقط إلى متابعة المفاوضات بحسن نية لإزالة الأسلحة النووية ، بل إنها تشدد أيضا على إتمام المفاوضات حول نزع السلاح النووي من كل جوانبه وقال الفقيه فوجيتا في ختام مداخلاته " لقد فهم دائما نزع السلاح النووي الكامل تحت رقابة دولية صارمة وفعالة على انه الهدف النهائي من اتفاقيات نزع السلاح ".
أيضا بالرجوع إلى موقف محكمة العدل الدولية من موضوع نزع الأسلحة النووية يمكن عرض فكر جون ماكنيل المستشار القانوني لوزارة الدفاع الأمريكي الذي طرح مرئياته بالقول " إن الالتزام الذي تذكر به المحكمة المجتمع الدولي لا يمكن أن يكون محل إسترباه بالرغم من عظم وتعقد العمل الواجب تنفيذه للتوصل إلى نهاية المفاوضات ".
وعلى النقيض والبغيض من هذا الاتجاه الأول يوجد اتجاه ثاني ,مثله السيد دوبري شامبو مدير الشؤون القانونية في وزارة الخارجية الفرنسية والذي أطلق نباله الهجائية على المحكمة وتركزت انتقاداته على محورين.
- لم يطلب من المحكمة أن تدلي بدلوها في مسائل التفاوض لإزالة الأسلحة النووية .
-لا تشير الأعراف الدولية المقننة في اتفاقية فينيا لقانون المعاهدات والقضاء الدولي إلى أن واجب التفاوض ، الذي تعهدت به دول أطراف في اتفاقية متعددة الأطراف ، يجب أن يؤدي إلى إبرام اتفاقية دولية...يُتبع...أستاذة باحثة.